ملاحظات ميدانية وقلق متزايد
في الأيام الأخيرة، لاحظ مواطنون وصيادون محليون في عدد من المناطق الساحلية التونسية، خاصة في المنستير وقليبية، ظهور كميات من الأسماك النافقة على الشواطئ أو طافية على سطح البحر. هذه المشاهد أثارت تساؤلات طبيعية لدى الأهالي والمتابعين: ما السبب؟ وهل يتعلق الأمر بخلل بيئي مؤقت، أم بظاهرة أوسع نطاقًا؟
تزامن ظهور هذه الأسماك النافقة مع ارتفاع في درجات الحرارة، وهو أمر معتاد في هذه الفترة من السنة، لكنه دفع بعض الجهات إلى التحري الفوري عن الوضع. وقد تحركت وكالة حماية الشريط الساحلي بالتعاون مع المعهد الوطني لعلوم وتكنولوجيا البحار لأخذ عينات من المياه والأسماك، في انتظار نتائج التحاليل التي قد تقدم شرحًا دقيقًا لما يجري.
وفي انتظار المعطيات الرسمية الكاملة، بدأ عدد من المختصين في تقديم فرضيات علمية تستند إلى الظواهر البيئية المعروفة في مثل هذه الحالات.
↚
تفسير علمي للظاهرة
تشير الفرضيات الأولية إلى أن ظاهرتين بيئيتين قد تكونان السبب الرئيسي في نفوق الأسماك، وهما:
1. نقص الأوكسجين المذاب في المياه
في فصل الصيف، ومع ارتفاع درجات الحرارة، تنخفض كمية الأوكسجين الذائب في الماء، وهو العنصر الأساسي الذي تحتاجه الأسماك والكائنات البحرية للتنفس والبقاء على قيد الحياة. وعندما تنخفض هذه النسبة إلى مستويات حرجة، تبدأ الأسماك، خاصة الحساسة منها، بالنفوق بشكل تدريجي.
هذه الظاهرة معروفة في المناطق الساحلية شبه المغلقة أو التي تعاني من قلة التيارات البحرية، مثل بعض المناطق في خليج المنستير، حيث لا تجد المياه المتجددة طريقها بسهولة، مما يؤدي إلى تراجع التهوية الطبيعية.
2. المدّ الأحمر (الطحالب السامة)
إحدى الظواهر الطبيعية التي يمكن أن تتسبب في نفوق جماعي للأسماك هي ما يُعرف بـ "المد الأحمر"، وهي حالة بيئية تحدث عندما تنمو كميات كبيرة من الطحالب الدقيقة (من نوع الدينوفلاجيلات) بشكل مفاجئ وسريع، نتيجة ارتفاع درجات الحرارة وتوفر المواد المغذية في المياه.
بعض هذه الطحالب تنتج سمومًا تؤثر على الجهاز العصبي أو التنفسي للأسماك، أو تتسبب في استهلاك كبير للأوكسجين أثناء تحللها، ما يؤدي بدوره إلى خنق الكائنات البحرية في المنطقة المتأثرة. وتجدر الإشارة إلى أن المد الأحمر ليس دائمًا ملوّنًا، وقد يمر دون أن يُلاحظ بالعين المجرّدة.
عوامل مساعدة أخرى
لا يُستبعد أن تكون هناك عوامل إضافية ساعدت في تفاقم الوضع، مثل:
-
التلوث العضوي الناتج عن مياه الصرف الصحي أو الأسمدة الفلاحية.
-
ضعف التيارات البحرية التي تسهّل عادة تجديد المياه.
-
تغيرات فجئية في ملوحة أو حرارة المياه.
خاتمة
نفوق الأسماك في بعض الشواطئ التونسية لا يبدو حتى الآن نتيجة تلوث صناعي خطير، بل هو على الأرجح انعكاس لاختلال بيئي طبيعي ظرفي، مرتبط بالعوامل المناخية والبيولوجية. ومع ذلك، فإن المراقبة المستمرة وجودة التحاليل المخبرية تظل ضرورية لتفادي تكرار الظاهرة، وضمان سلامة الثروة البحرية التي تمثل موردًا اقتصاديًا وبيئيًا مهمًا للبلاد.