أصبح ملف راتب المدرب الوطني سامي الطرابلسي محور نقاش واسع في الأوساط الرياضية التونسية خلال الأيام الأخيرة، بعد تداول القيمة المالية التي يتقاضاها منذ تولّيه مهمة قيادة المنتخب الوطني. وقد فتح الكشف عن هذا الرقم بابًا كبيرًا للجدل، باعتباره يعكس في نظر المتابعين حجم الثقة الموضوعة في الإطار الفني، وفي الوقت ذاته يقدّم صورة عن سقف التطلعات المنتظرة خلال المرحلة المقبلة.
ووفق المعطيات المؤكدة، يتقاضى الطرابلسي راتبًا شهريًا قدره 9000 دولار، أي ما يعادل حوالي 28 ألف دينار تونسي أو قرابة 450 ألف جنيه مصري. ورغم أن هذا الأجر لا يُعد الأعلى مقارنة ببقية مدربي المنتخبات الإفريقية والعربية، إلا أنّه يضع المدرب ضمن الفئة المتوسطة من حيث الرواتب على مستوى شمال إفريقيا والشرق الأوسط.
هذا الرقم أثار تساؤلات عديدة حول جدواه، وحول مدى تناسبه مع الأهداف الرياضية، خاصة في ظرف دقيق يمرّ به المنتخب وفي سياق اقتصادي ومالي ضاغط تعيشه البلاد.
مقارنة مع أجور مدربي المنتخبات العربية: الفارق كبير
عند وضع راتب الطرابلسي في مقارنة مباشرة مع رواتب مدربي المنتخبات العربية، تتّضح الهوة بجلاء. إذ تشير الأرقام الحديثة إلى ما يلي:
-
مدرب المغرب: أكثر من 80 ألف دولار شهريًا
-
مدرب الجزائر: حوالي 60 ألف دولار
-
مدرب مصر: يقارب 50 ألف دولار
-
مدرب تونس – سامي الطرابلسي: 9000 دولار فقط
هذه الفوارق تعكس واقعين مختلفين:
الأول يرتبط بالإمكانيات المالية الكبيرة التي تتمتع بها الجامعات العربية الكبرى، والثاني يتعلق بقدرة الجامعة التونسية لكرة القدم على إدارة مواردها المحدودة في ظل وضع اقتصادي حساس.
ويؤكد عدد من الفنيين أن الجامعة اختارت الاستمرارية واعتماد المدرسة المحلية برواتب متوازنة، بدل المغامرة بمدرب أجنبي بتكلفة مرتفعة قد لا تتناسب مع قدرات المنتخب أو خصوصية المرحلة.
قراءة في معنى 9000 دولار: بين الثقة والمحدودية
إن تخصيص راتب بقيمة 9000 دولار شهريًا للمدرب المحلي ليس مجرد تفصيل مالي، بل يعكس توجهًا جديدًا في صياغة العلاقة بين الجامعة والمدربين. ففي السنوات الماضية، تعاقب على المنتخب عدة مدربين أجانب بأجور مضاعفة، لكن ذلك لم يضمن الاستقرار الفني ولا النتائج المرجوة.
من هذا المنطلق، يرى عدد من المراقبين أن التوجه الجديد يقوم على:
-
تعزيز الثقة في الكفاءات التونسية
-
تقليص النفقات دون التضحية بالجودة
-
بناء مشروع طويل المدى قائم على الاستمرارية
-
إعطاء الأولوية للتكوين والعمل القاعدي
لكن هذا التوجه يضع أيضًا مسؤولية مضاعفة على المدرب المحلي، الذي يجد نفسه دائمًا تحت ضغط الجماهير والإعلام، على عكس المدرب الأجنبي الذي يحظى عادة بهامش أوسع من الصبر والتسامح.
هل الراتب معيار للنجاح؟ التجربة التونسية تقول العكس
يشير محللون إلى أن قيمة الراتب ليست معيارًا قارًّا للحكم على جودة المدرب. فالكرة التونسية حققت في تاريخها أفضل إنجازاتها مع مدربين محليين بأجور محدودة، مقارنة بما يُصرف اليوم. وهو ما يجعل نتائج المنتخب مرتبطة أساسًا بقدرة المدرب على:
-
فرض هوية لعب واضحة
-
تحقيق الانسجام داخل المجموعة
-
استغلال المواهب المتاحة
-
بناء منتخب تنافسي قادر على مجاراة المستوى القاري
ويذهب البعض إلى أبعد من ذلك، معتبرين أن الاستقرار الفني أهم من قيمة الراتب، وأن تغيير المدربين بشكل متكرر كان أحد أسباب عدم التقدم في السنوات الأخيرة.
الراتب بين الثقة والميزانية: قراءة مزدوجة
من الأسئلة المتداولة في الوسط الرياضي:
هل يمثل راتب الطرابلسي مؤشّرًا على الثقة في مشروعه الرياضي، أم أنه مجرد انعكاس لضعف الميزانية؟
العديد من المتابعين يعتبرون أن الإجابة تحمل شقّين:
1. حدود الميزانية:
الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به تونس يجعل التعاقد مع أسماء عالمية أمرًا مستبعدًا. وبالتالي يظهر الأجر متناسبًا مع قدرة الجامعة.
2. ثقة في الخبرة المحلية:
الطرابلسي يملك خبرة تدريبية محترمة، سواء مع المنتخب سابقًا أو في تجاربه بالخليج. وبالتالي فإن التعاقد معه بهذا الراتب يعكس إدراك الجامعة لقدرته على قيادة مشروع محلي بنظرة واقعية.
ويرى خبراء أن اعتماد الجامعة لرواتب متوسطة قد يمهّد لإرساء منظومة أكثر توازنًا، تقوم على تشجيع الإطارات التونسية بدل الاتجاه إلى التعاقدات الضخمة وغير المضمونة.
ماذا ينتظر الجمهور من الطرابلسي؟
رغم الجدل حول الراتب، إلا أن الجمهور التونسي ينظر إلى المرحلة القادمة من زاوية أخرى تمامًا. إذ تنتظر جماهير المنتخب:
-
أداءً مقنعًا في التصفيات القارية
-
تطويرًا للخط الهجومي
-
استثمارًا أكبر في اللاعبين الشبان
-
عودة الاستقرار الفني
-
تحسين النتائج بعد سنوات من التذبذب
وبالتالي، فإن راتب 9000 دولار لا يمثل سوى رقم نظري، بينما يظل الحكم الحقيقي مرتبطًا بالنتائج وبالقدرة على استعادة هيبة المنتخب.
خلاصة التقرير: الراتب رقم… والميدان هو الفيصل
يكشف راتب سامي الطرابلسي عن توجه واضح تتبعه الجامعة التونسية لكرة القدم:
مقاربة مالية متوازنة تعتمد على مدرب محلي بثقة معقولة وتطلعات واقعية.
فالرقم:
-
ليس ضخمًا مقارنة بجيران تونس،
-
ولا ضعيفًا بشكل يقلل من قيمة المنصب،
-
بل يأتي كحل وسطي في سياق اقتصادي حساس.
ومع ذلك، يبقى الراتب مجرد تفصيل إداري لا يحمل دلالته الحقيقية إلا إذا ترافق مع:
-
مشروع فني جدي
-
رؤية واضحة
-
تحسين الأداء
-
نتائج ملموسة تعيد الثقة للجماهير
فالاستثمار الحقيقي ليس في قيمة الأجر، بل في قيمة العمل، وفي قدرة الطرابلسي على تقديم منتخب قوي يعيد تونس إلى موقعها الطبيعي قارّيًا.
.webp)