في خطوة تعكس اهتمام المستثمرين الأجانب بالسوق التونسية، أعلن سفير جمهورية الصين الشعبية لدى تونس، "وان لي"، أن إحدى الشركات الصينية المختصة في مجال صناعة الإسمنت تعتزم خلال الأسبوع المقبل إتمام صفقة شراء مصنع إسمنت في تونس، بقيمة تتجاوز 100 مليون دولار. وأوضح السفير، خلال تصريح إذاعي، أن هذه الخطوة تندرج ضمن جهود تعزيز الشراكة الاقتصادية بين البلدين، مؤكدًا أن الشركة الصينية تسعى إلى تطوير المصنع وتحسين قدرته الإنتاجية من خلال إدخال تقنيات متقدمة وصديقة للبيئة.
تأكيد من وزارة الصناعة حول تفاصيل الصفقة
وفي تصريح إذاعي منفصل، كشف مصدر مسؤول من وزارة الصناعة أن المصنع المعني بهذه الصفقة هو مصنع إسمنت جبل الوسط، الواقع في ولاية زغوان، والذي كانت تديره سابقًا شركة برتغالية. وأكد المصدر أن الشركة الصينية ستستحوذ على الحصة المملوكة للشركة البرتغالية، مما سيمكنها من السيطرة على المصنع وتشغيله وفق استراتيجياتها الاستثمارية.
وأضاف المصدر أن تونس لديها قدرة إنتاجية سنوية تصل إلى 12 مليون طن من الإسمنت، إلا أن ارتفاع تكلفة الإنتاج، خاصة فيما يتعلق بالطاقة من غاز وبترول، أدى إلى تراجع الإنتاج إلى 6 ملايين طن فقط، وهو ما يعادل حجم الاستهلاك الوطني لهذه المادة. كما أشار إلى أن تكاليف الإنتاج المرتفعة حالت دون قدرة تونس على المنافسة في الأسواق الخارجية، مما أدى إلى ركود قطاع تصدير الإسمنت، وفتح المجال أمام الجزائر التي أصبحت من أبرز المصدرين في المنطقة بفضل توفرها على موارد طاقة محلية بأسعار منخفضة.
قطاع الإسمنت في تونس: 9 مصانع قيد النشاط
يُعتبر قطاع الإسمنت من القطاعات الاستراتيجية في تونس، حيث يضم حاليًا 9 مصانع، منها ثلاثة مصانع عمومية والبقية مصانع خاصة تديرها شركات أجنبية. ويشمل هذا القطاع كلاً من:
-
الشركة التونسية الأندلسية للإسمنت الأبيض – تقع في القصرين وتديرها شركة إسبانية.
-
مصنع الإسمنت الرمادي بالقيروان – يتبع الشركة التونسية الأندلسية للإسمنت الأبيض.
-
إسمنت جبل الوسط (ولاية زغوان) – المصنع المعني بالصفقة، تديره حاليًا شركة برتغالية.
-
إسمنت النفيضة (ولاية سوسة) – تديره شركة إسبانية.
-
شركة الإسمنت بقابس – تقع بطريق الحامة (كلم 10) وتديرها شركة برتغالية.
-
الإسمنت الاصطناعي التونسي – يقع بجبل الجلود الوردية، وهو أول مصنع إسمنت في تونس، تأسس عام 1936، وتديره حاليًا شركة إيطالية.
-
إسمنت أم الكليل (ولاية الكاف) – من المصانع العمومية.
-
إسمنت بنزرت – يقع على ضفاف خليج صبرة ببنزرت، وهو أيضًا مصنع عمومي.
-
شركة إسمنت قرطاج – تقع بجبل الرصاص في مرناق بولاية بن عروس، وهي شركة عمومية بعد أن تمت مصادرتها.
تداعيات الصفقة على الاقتصاد التونسي
يرى خبراء الاقتصاد أن هذه الصفقة قد تكون خطوة إيجابية نحو تعزيز الاستثمار الأجنبي في تونس، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها البلاد. فمع دخول مستثمر صيني جديد إلى السوق التونسية، من المتوقع أن يشهد المصنع تحسنًا في الإنتاجية بفضل التكنولوجيا الحديثة التي ستوفرها الشركة الصينية.
لكن في المقابل، يثير البعض مخاوف بشأن مدى قدرة الدولة على ضمان عدم احتكار الشركات الأجنبية لقطاع الإسمنت، خصوصًا مع توجه تونس نحو بيع بعض الأصول الصناعية لمستثمرين أجانب بسبب الأزمات المالية المتكررة.
آفاق وتحديات القطاع
رغم توفر تونس على البنية التحتية الأساسية لصناعة الإسمنت، إلا أن ارتفاع تكاليف الإنتاج يظل العائق الأكبر أمام تطوير هذا القطاع، سواء من حيث تحقيق الاكتفاء الذاتي أو تنشيط عمليات التصدير. وقد يكون دخول الشركات الصينية إلى السوق المحلية فرصة لتحفيز الإنتاج والاستثمار في الطاقات البديلة لتقليل كلفة التصنيع.
ويبقى السؤال المطروح: هل ستتمكن تونس من استعادة مكانتها كمنتج ومصدر رئيسي للإسمنت في المنطقة، أم أن ارتفاع التكاليف سيظل عقبة تحول دون ذلك؟